الاثنين، 20 أكتوبر 2008

حوار مع شيطان .!!

حـاورت الـشـيـطـان الـرجــيـم فـي الـلـيـل الـبـهــيـم فــلـمـا سـمـعـت أذان الـفـجـر أردت لـلـذهــاب إلـى الـمـسـجـد ،،،
فــقـال لـي: عـلـيـك لــيـل طـويـل فـارقـــد
قــلـت: أخـاف أن تـفـوتــنـي الـفـريــضـة
قـال: الأوقـات طــويــلـة عــريــضــة
قــلـت: أخــشـى ذهــاب صـلاة الـجـمـاعــة
قـال: لا تـشـدد عــلـى نـفـسـك فـي الـطـاعــة
فــمـا قــمـت حــتـى طـلـعـت الـشـمـس
فــقـال لـي فـي هــمـس: لا تـأسـف عــلـى مـا فــات فـالــيـوم كـلـه أوقــات
وجـلـسـت لآتـي بـالأذكــار فــفــتـح لـي دفــتـر الأفــكــار
فــقــلــت: أشـغــلــتــنـي عــن الـدعــاء
قـال: دعــه إلـى الــمــسـاء
وعــزمــت عــلـى الــمــتـاب
فــقـال: تــمــتـع بـالــشــبــاب
قــلـت: أخــشـى الــمـوت
قـال: عــمــرك لا يــفـوت
وجــئـت لأحــفــظ الــمــثـانــي
قـال: روّح نــفــســك بـالأغــانــي
قــلـت: هـي حــرام
قـال: لــبـعــض الــعــلـمـاء كـــلام
قــلـت: أحـاديــث الـتـحـريــم عــنـدي فـي صــحــيــفــة
قـال: كــلـهـا ضــعـــيــفــة
ومـرت حــســنـاء فــغــضــضــت الــبــصــر
قـال: مـاذا فـي الــنــظــر؟
قــلـت: فــيـه خــطــر
قـال: تـفـكـر فـي الـجــمـال فـالــتــفــكــر حــلال
وذهــبـت إلـى الـبـيـت الــعــتــيــق فـوقــف لـي فـي الـطـريــق
فــقـال: مـا ســبــب هــذه الــســفــرة؟
قــلـت: لآخــذ عــمـرة
فــقـال: ركـبـت الأخـطـار بـسـبـب هــذا الإعــتـمـار وأبـواب الـخــيـر كـثـيـرة والـحـسـنـات غــزيــرة
قــلـت: لابــد مـن إصـلاح الأحـوال
قـال: الـجــنـة لا تـدخــل بـالأعــمـال
فــلـمـا ذهــبـت لألـقـي نــصــيـحـة
قـال: لا تـجـر إلـى نـفـسـك فــضــيـحـة
قــلـت: هــذا نـفـع الـعــبـاد
فــقـال: أخــشـى عــلــيـك مـن الــشــهــرة وهـي رأس الــفــسـاد
قــلـت: فــمـا رأيــك فـي بــعــض الأشـخـاص؟
قـال: أجــيــبـك عــلـى الـعـام والـخـاص
قــلـت: أحـمـد بـن حــنــبــل؟
قـال: قــتــلــنـي بـقـولــه عــلــيــكـم بـالــســنـة والــقــرآن الـمـنـزّل
قــلـت: فـابــن تــيــمــيــة؟
قـال: ضـربـاتــه عــلـى رأسـي بـالـيـومــيـة
قــلـت: فـالــبــخـاري؟
قـال: أحـرق بـكــتـابـه داري
قــلـت: فـالـحـجـاج؟
قـال: لـيـت فـي الـنـاس ألـف حـجـاج فــلــنـا بـسـيـرتـه إبــتـهـاج ونـهـجـه لــنـا عــلاج
قــلـت: فــرعـــون؟
قـال: لـه مــنـا كـل نــصــر وعـــون
قــلـت: فــصـلاح الـديــن بــطــل حــطــيـن؟
قـال: دعــه فــقــد مـرغــنـا بـالـطــيــن
قــلـت: مـحـمـد بـن عــبـد الـوهــاب؟
قـال: أشـعـل فـي صـدري بـدعــوتــه الــتـهـاب وأحـرقــنـي بـكـل شـهـاب
قــلـت: أبـو جــهــل؟
قـال: نـحـن لـه أخــوة وأهـــل
قــلـت: فـأبـو لـهـب؟
قـال: نـحـن مـعـه أيــنـمـا ذهـــب
قــلـت: فــلــيــنــيـن؟
قـال: ربــطــنـاه فـي الــنـار مـع اسـتـالـيـن
قــلـت: فـالــمــجــلات الـخــلــيـعـة؟
قـال: هـي لــنـا شـريــعــة
قــلـت: فـالــدشــوش؟
قـال: نـجـعـل الــنـاس بـهـا كـالــوحـــوش
قــلـت: فـالــمــقــاهـــي؟
قـال: نـرحــب فــيـهـا بـكـل لاهــي
قـلـت: مـا هــو ذكـركـم؟
قـال: الأغــانــي
قــلـت: وعــمــلــكـم؟
قـال: الأمــانـــي
قــلـت: ومـا رأيــكـم بـالأســواق؟
قـال: عــلـمــنـا بـهـا خــفــاق وفــيـهـا يـجــتـمـع الـرفــاق
قــلـت: فـحـزب الـبـعـث الاشـتـراكـي؟
قـال: قـاســمــتـه أمـلاكــي وعــلــمــتـه أورادي وأنــســاكــي
قــلـت: كـيـف تــضـل الــنـاس؟
قـال: بـالــشـهــوات والــشــبـهـات والـمـلـهــيـات والأمـنـيـات والأغــنـيـات
قــلـت: كــيـف تــضــل الــنــســاء؟
قـال: بـالـتـبـرج والـسـفـور وتــرك الـمـأمــور وارتـكـاب الـمـحــظــور
قــلـت: فــكــيـف تــضــل الــعــلــمــاء؟
قـال: بـحـب الـظـهـور والـعـجـب والـغـرور وحــســد يــمـلأ الــصــدور
قــلـت: كــيـف تــضــل الـعـامــة؟
قـال: بـالـغــيــبــة والــنــمــيـمـة والأحـاديــث الـسـقــيـمـة ومـا لــيـس لـه قــيـمـة
قــلـت: فــكــيـف تــضــل الـتـجـار؟
قـال: بـالـربــا فـي الـمـعـامــلات ومــنـع الـصـدقــات والإســراف فـي الــنــفــقــات
قــلـت: فــكــيـف تــضــل الــشــبــاب؟
قـال: بـالــغــزل والـهــيـام والــعــشـق والــغــرام والاسـتـخـفـاف بـالأحـكـام وفــعــل الـحــرام
قــلـت: فــمـا رأيــك بـدولــة الــيــهــود (إســرائــيــل)؟
قـال: ايـاك والـغــيــبـة فـإنـهـا مــصــيــبـة وإســرائــيــل دولـة حــبــيــبـة ومـن الـقـلـب قــريــبـة
قــلـت: فــأبــو نـــواس؟
قـال: عــلـى الـعــيـن والـرأس لــنـا مـن شـعـره اقــتــبــاس
قــلـت: فــأهـــل الــحــداثـــة؟
قـال: أخــذوا عــلــمـهـم مــنـا بـالـوراثـــة
قــلـت: فــالــعــلــمــانــيـة؟
قـال: إيـمـانـنـا عــلــمـانـي وهــم أهــل الـدجــل والأمـانـي ومـن ســمـاهـم فــقــد سـمـانــي
قــلـت: فــمـا تــقــول فـي واشــنــطــن؟
قـال: خـطــيــبـي فــيـهـا يـرطــن وجــيــشـي فــيـهـا يــقــطــن وهـي لـي وطــن
قــلـت: فــمـا رأيــك فـي الـدعـــاة؟
قـال: عــذبــونـي وأتـعــبــونـي وبــهــدلــونــي وشــيــبــونـي يــهــدمــون مـا بـنـيـت ويـقـرؤون إذا غــنـيـت ويــســتـعــيـذون إذا أتــيــت
قــلـت: فــمـا تـقـول فـي الــصــحــف؟
قـال: نـضــيـع بـهـا أوقــات الـخـلـف ونـذهــب بـهـا أعــمـار أهـل الــتـرف ونـأخـذ بـهـا الأمـوال مـع الأســف
قــلـت: فــمـا تــقــول فـي هــيــئـة الإذاعـــة الـبـريــطــانـيـة؟
قـال: نـدخـل فــيـهـا الـسـم فـي الـدسـم ونـقـاتـل بـهـا بــيـن الـعـرب والـعـجـم ونــثــنـي بـهـا عـلـى الـمـظـلـوم ومـن ظــلــم
قــلـت: فــمـا فــعــلــت فـي الــغــراب؟
قـال: ســلـطــتـه عــلـى أخــيـه فــقــتــلـه ودفــنـه فـي الــتـراب حــتـى غـــاب
قــلـت: فــمـا فــعــلــت بــقــارون؟
قـال: قــلـت لـه احـفـظ الـكــنـوز يـا إبـن الــعــجــوز لــتــفــوز فــأنــت أحــد الـرمــوز
قــلـت: فــمـاذا قــلـت لــفــرعـــون؟
قـال: قــلـت لـه يـا عــظــيـم الــقــصــر قــل ألــيــس لـي مـلــك مــصــر فــسـوف يـأتــيـك الــنــصــر
قــلـت: فــمـاذا قــلـت لــشـارب الــخــمــر؟
قـال: قــلـت لـه اشـرب بـنـت الـكـروم فـإنـهـا تـذهـب الـهــمـوم وتـزيـل الـغــمـوم وبـاب الــتـوبـة مـعـلـوم
قــلـت: فــمـاذا يــقــتــلــك؟
قـال: آيـة الـكـرسـي مــنـهـا تــضــيـق نــفــسـي ويـطـول حــبــسـي وفـي كــل بــلاء أمــسـي
قــلـت: فــمـا أحــب الــنـاس إلــيــك؟
قـال: الـمـغــنـون والـشـعـراء الـغـاوون وأهــل الـمـعـاصـي والـمـجــون وكـل خـبـيـث مـفــتـون
قــلـت: فــمـا أبــغــض الــنـاس إلــيــك؟
قـال: أهــل الــمــسـاجــد وكـل راكــع وسـاجــد وزاهــد عـابــد وكـل مـجـاهـــد
قــلـت: أعــوذ بـالله مــنـك فـاخــتــفــى وغــاب كـأنــمـا ســاخ فـي الــتـراب وهــذا جــزاء الــكــذاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـمـصـدر: كــتـاب مـقـامــات الــقــرنــي.

الجمعة، 17 أكتوبر 2008

شرح مبسط جداً لأزمة المال الأمريكية - US financial crises

يعيش 'سعيد أبو الحزن' مع عائلته في شقة مستأجرة وراتبه ينتهي دائما قبل نهاية الشهر. حلم سعيد أن يمتلك بيتاً في 'أمرستان'، ويتخلص من الشقة التي يستأجرها بمبلغ 700 دولار شهرياً. ذات يوم فوجئ سعيد بأن زميله في العمل، نبهان السَهيان، اشترى بيتاً بالتقسيط. ما فاجأ سعيد هو أن راتبه الشهري هو راتب نبهان نفسه، وكلاهما لا يمكنهما بأي شكل من الأشكال شراء سيارة مستعملة بالتقسيط، فكيف ببيت؟ لم يستطع سعيد أن يكتم مفاجأته فصارح نبهان بالأمر، فأخبره نبهان أنه يمكنه هو أيضاً أن يشتري بيتا مثله، وأعطاه رقم تلفون المكتب العقاري الذي اشترى البيت عن طريقه.

لم يصدق سعيد كلام نبهان، لكن رغبته في تملك بيت حرمته النوم تلك الليلة، وكان أول ما قام به في اليوم التالي هو الاتصال بالمكتب العقاري للتأكد من كلام نبهان، ففوجئ بالاهتمام الشديد، وبإصرار الموظفة 'سهام نصابين' على أن يقوم هو وزوجته بزيارة المكتب بأسرع وقت ممكن. وشرحت سهام لسعيد أنه لا يمكنه الحصول على أي قرض من أي بنك بسبب انخفاض راتبه من جهة، ولأنه لا يملك من متاع الدنيا شيئا ليرهنه من جهة أخرى. ولكنها ستساعده على الحصول على قرض، ولكن بمعدلات فائدة عالية. ولأن سهام تحب مساعدة 'العمال والكادحين' أمثال سعيد فإنها ستساعده أكثر عن طريق تخفيض أسعار الفائدة في الفترة الأولى حتى 'يقف سعيد على رجليه'. كل هذه التفاصيل لم تكن مهمة لسعيد. المهم ألا تتجاوز الدفعات 700 دولار شهريا.

باختصار، اشترى سعيد بيتاً في شارع 'البؤساء' دفعاته الشهرية تساوي ما كان يدفعه إيجاراً للشقة. كان سعيد يرقص فرحاً عندما يتحدث عن هذا الحدث العظيم في حياته: فكل دفعة شهرية تعني أنه يتملك جزءا من البيت، وهذه الدفعة هي التي كان يدفعها إيجارا في الماضي. أما البنك، 'بنك التسليف الشعبي'، فقد وافق على إعطائه أسعار فائدة منخفضة، دعما منه 'لحصول كل مواطن على بيت'، وهي العبارة التي ذكرها رئيس البلد، نايم بن صاحي، في خطابه السنوي في مجلس رؤساء العشائر.

مع استمرار أسعار البيوت في الارتفاع، ازدادت فرحة سعيد، فسعر بيته الآن أعلى من الثمن الذي دفعه، ويمكنه الآن بيع البيت وتحقيق أرباح مجزية. وتأكد سعيد من هذا عندما اتصل ابن عمه سحلول ليخبره بأنه نظرا لارتفاع قيمة بيته بمقدار عشرة آلاف دولار فقد استطاع الحصول على قرض قدره 30 ألف دولار من البنك مقابل رهن جزء من البيت. وأخبره أنه سينفق المبلغ على الإجازة التي كان يحلم بها في جزر الواق واق، وسيجري بعض التصليحات في البيت. أما الباقي فإنه سيستخدمه كدفعة أولية لشراء سيارة جديدة.


القانون لا يحمي المغفلين

إلا أن صاحبنا سعيد أبو الحزن وزميله نبهان السهيان لم يقرآ العقد والكلام الصغير المطبوع في أسفل الصفحات. فهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. هذه الأسعار تكون منخفضة في البداية ثم ترتفع مع الزمن. وهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة سترتفع كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة. وهناك فقرة أخرى تقول إنه إذا تأخر عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ثلاث مرات. والأهم من ذلك فقرة أخرى تقول إن المدفوعات الشهرية خلال السنوات الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد. هذا يعني أن المدفوعات لا تذهب إلى ملكية جزء من البيت، إلا بعد مرور ثلاث سنوات.

بعد أشهر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت مرة أخرى بعد مرور عام كما نص العقد. وعندما وصل المبلغ إلى 950 دولاراً تأخر سعيد في دفع الدفعة الشهرية، فارتفعت الدفعات مباشرة إلى 1200 دولار شهريا. ولأنه لا يستطيع دفعها تراكمت عقوبات إضافية وفوائد على التأخير وأصبح سعيد بين خيارين، إما إطعام عائلته وإما دفع الدفعات الشهرية، فاختار الأول، وتوقف عن الدفع. في العمل اكتشف سعيد أن زميله نبهان قد طرد من بيته وعاد ليعيش مع أمه مؤقتا، واكتشف أيضاً أن قصته هي قصة عديد من زملائه فقرر أن يبقى في البيت حتى تأتي الشرطة بأمر الإخلاء. مئات الألوف من 'أمرستان' عانوا المشكلة نفسها، التي أدت في النهاية إلى انهيار أسواق العقار.

أرباح البنك الذي قدم قرضا لسعيد يجب أن تقتصر على صافي الفوائد التي يحققها من هذا القرض، ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. قام البنك ببيع القرض على شكل سندات لمستثمرين، بعضهم من دول الخليج، وأخذ عمولة ورسوم خدمات منهم. هذا يعني أن البنك كسب كل ما يمكن أن يحصل عليه من عمولات وحول المخاطرة إلى المستثمرين. المستثمرون الآن يملكون سندات مدعومة بعقارات، ويحصلون على عوائد مصدرها مدفوعات سعيد ونبهان الشهرية. هذا يعني أنه لو أفلس سعيد أو نبهان فإنه يمكن أخذ البيت وبيعه لدعم السندات. ولكن هؤلاء المستثمرين رهنوا هذه السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل ديون جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السندات. نعم، استخدموا ديونا للحصول على مزيد من الديون! المشكلة أن البنوك تساهلت كثيرا في الأمر لدرجة أنه يمكن استدانة 30 ضعف كمية الرهن. باختصار، سعيد يعتقد أن البيت بيته، والبنك يرى أن البيت ملكه أيضاً. المستثمرون يرون أن البيت نفسه ملكهم هم لأنهم يملكون السندات. وبما أنهم رهنوا السندات، فإن البنك الذي قدم لهم القروض، بنك 'عمايرجبل الجن'، يعتقد أن هناك بيتا في مكان ما يغطي قيمة هذه السندات، إلا أن كمية الديون تبلغ نحو 30 ضعف قيمة البيت!

أما سحلول، ابن عم سعيد، فقد أنفق جزءا من القرض على إجازته وإصلاح بيته، ثم حصل على سيارة جديدة عن طريق وضع دفعة أولية قدرها ألفا دولار، وقام بنك 'فار سيتي' بتمويل الباقي. قام البنك بتحويل الدين إلى سندات وباعها إلى بنك استثماري اسمه 'لا لي ولا لغيري'، الذي احتفظ بجزء منها، وقام ببيع الباقي إلى صناديق تحوط وصناديق سيادية في أنحاء العالم كافة. سحلول يعتقد أنه يمتلك السيارة، وبنك 'فار سيتي' يعتقد أنه يملك السيارة، وبنك 'لالي ولا لغيري' يعتقد أنه يمتلك السيارة، والمستثمرون يعتقدون أنهم يملكون سندات لها قيمة لأن هناك سيارة في مكان ما تدعمها. المشكلة أن كل هذا حصل بسبب ارتفاع قيمة بيت سحلول، وللقارئ أن يتصور ما يمكن أن يحصل عندما تنخفض قيمة البيت، ويطرد سحلول من عمله!


القصة لم تنته بعد!

بما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم هذه السندات بناء على قدرة المديون على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة الوفاء فيها ستكون فيها أكيدة ستكسب تقدير 'أأأ'، وهناك سندات أخرى ستحصل على 'ب' وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاء. لتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. وهكذا أصبح سعيد ونبهان وسحلول أبطال الاقتصاد العالمي الذي تغنى به الكاتب 'توماس فريدمان'.

في النهاية، توقف سعيد عن سداد الأقساط، وكذلك فعل نبهان وسحلول وغيرهم، ففقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة. أما الذين اشتروا تأمينا على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركة التأمين 'أي آي جي'. عمليات الإفلاس أجبرت البنوك على تخفيف المخاطر عن طريق التخفيض من عمليات الإقراض، الأمر الذي أثر في كثير من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلى سيولة لإتمام عملياتها اليومية، وبدأت بوادر الكساد الكبير بالظهور، الأمر الذي أجبر حكومة أمرستان على زيادة السيولة عن طريق ضخ كميات هائلة لإنعاش الاقتصاد الذي بدأ يترنح تحت ضغط الديون للاستثمار في الديون! أما 'توماس فريدمان' فقد قرر أن يكسب مزيدا من الملايين حيث سينتهي من كتابة قصة سعيد أبو الحزن عما قريب

الخميس، 9 أكتوبر 2008

حسن الختام ..

* لما نزل الموت بالعابد الزاهد عبد الله بن إدريس اشتد عليه الكرب فلما أخذ يشهق بكت ابنته. فقال: يا بنيتي، لا تبكي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة..كلها لأجل هذا المصرع.
* أمّا عامر بن عبد الله بن الزبير فلقد كان على فراش الموت يعد أنفاس الحياة، وأهله حوله يبكون، فبينما هو يصارع الموت سمع المؤذّن ينادي لصلاة المغرب ونفسه تحشرج في حلقه، وقد اشتدّ نزعه وعظم كربه، فلما سمع النداء قال لمن حوله: خذوا بيدي.قالوا: إلى أين؟! قال: إلى المسجد. قالوا: وأنت على هذه الحال!! قال: سبحان الله.. !! أسمع منادي الصلاة ولا أجيبه! خذوا بيدي. فحملوه بين رجلين، فصلى ركعة مع الإمام ثمّ مات في سجوده.. نعم مات وهو ساجد.
* أما يزيد الرقاشي فإنه لما نزل به الموت أخذ يبكي ويقول: من يصلي لك يا يزيد إذا متّ؟ ومن يصوم لك إذا متّ؟ ومن يستغفر لك من الذنوب إذا متّ؟ ثم تشهد ومات.
*وها هو هارون الرشيد، لما حضرته الوفاة وعاين السكرات.. صاح بقواده وحجّابه: اجمعوا جيوشي كلها. فجاؤوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصي عددهم إلا الله.. فلما أطل عليهم حدّق بهم وتمعن فيهم.. ثم بكى بكاءً شديداً، وصاح قائلاً: يا من لا يزول ملكه.. ارحم من قد زال ملكه.. ثم لم يزل يبكي حتى مات.
* وها هو أحد السلف، وقد كان تقياً ورعاً صواماً للنهار، قواماً لليل، قارئاً للقرآن.. فقيل له: كيف حصلت على هذه النعمة؟ قال: صوّرت نفسي أنها تحتضر، فقلت لها: يا نفس، ماذا تتمنين؟ قالت: أن أعود للدنيا وأتزود من العمل الصالح. ثم صوّرتها وهي في ضمة القبر، فقلت لها: يا نفس، ماذا تتمنين؟ قالت: أتمنى أن أعود إلى الدنيا وأتزود من العمل الصالح. ثم صوّرتها وهي تبعث وتقف بين يدي الرحمن، فقلت لها: يا نفس، ماذا تتمنين؟ قالت: أن أعود إلى الدنيا وأتزود من العمل الصالح.. فقلت لها: يا نفس هذه الدنيا وهذه أمنيتك، فاعملي فيها واجتهدي.
... هذا كان حال أسلافنا فدعونا ننظر إلى أحوالنا اليوم. لنكثر من العمل الصالح، ولنسرع بالتوبة والتقرب إلى الله - تعالى -قبل الممات..
تزود من التقوى فإنك لا تدري*** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة*** وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
وكم من صبي يُرتجى طول عمره***وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري

هزم الإرتفاع ..!!

ادموند هيلاري عندما حاول في المره الاولى تسلق قمه إفرست لم ينجح وخلف ثلاثه من رفاقه امواتا عند سفح الجبل لاكن الان مجهوده كان كبيرا جدا منحته الحكومه الانجليزيه ارفع اوسمتها واستدعته للمثول امام البرلمان وفيما كان يدخل البرلمان لتكريمه .. وقف الجميع وراحوا يصفقون له ومع توجهه لاحظ صوره كانت معلقه لقمه افرست كانت صوره رهيبه ووقف امامها ثم لوح بقبضته مخاطبا الجبل وقال(لقد ربحت انت هذه المره انت كبير بقدر ما ستكون دائما ولاكن انا الاكبر باستمرار) يقول لنا التاريخ انه في تمام الساعه ((30-11 )) صباحا في مايو 1953 نجح ادموند في محاولته الثانيه في تسلق القمه وهو اول رجل في العالم يتسلق قمه افرست -- هل تصدقون ذالك هل تصدقون انه هزم الارتفاع ، وانخفاض الضغط والبروده اللتي تصل الى حد التجمد ، وهزم مخاطر الانهيارات الثلجيه وكل مخاطر التسلق لهذا الجبل الشاهق ؟؟

الاثنين، 6 أكتوبر 2008

العظمة تابى إلا أن تعلن عن نفسها ..

"ما أحسنُ بيتٍ أعجبك في الشعر العربي؟"
السائل: أحدُ أعضاء لجنة الامتحان النِّهائي في دار العلوم في مصر.
الوقت: عشرينيات القرن الماضي.
المادة: اللغة العربية، والامتحان شفوي، هذا أيام كان هناك علم!
المسؤول: الطالب حسن البنا.
أجاب الطالب: "أحسنُ بيتٍ أعجبني قولُ طَرَفَةَ بنِ العبد في مُعلّـقـته:
إذا القومُ قالوا مَن فتى خِلتُ
أنَّني عُنيتُ فلم أَكْسَل ولم أتبلَّدِ
سُـرَّ الشيخُ السائلُ بالجواب، وعرف أنَّ هذا الطالب سيُضيف شيئاً للحياة. وقال له: "قُم يا فتى...هذا سؤال يُسأل للنابهين من الطلبة في كلِّ عام هنا، وفي الأزهر، فلم يُجب أحـدٌ بمثل ما أجبتَ إلا الشيخ محمد عبده، إنَّني أتنبأ لك بمستقبلٍ عظيم".
وبعد سنوات، صار الطالبُ: شيخاً، أسّس الشيخُ حسن البنا جماعةَ الإخوان المسلمين.
وبعد سنوات أخرى صارُ الشيخُ: إماماً، أصبح الإمامُ حسنُ البنا وجماعته ملءَ السمعِ والبصر !ورحم اللهُ الإمام.
وهكذا... فالعظمةُ تأبى إلاَّ أنْ تُعْلِن عن نفسها، ويأبى ما في النفس إلا أن يَظهر على فلـتات اللسان، إنْ خيراً وإنْ شراً.
إنَّ النَّفس الأبية إذا سمعت صيحةً لا تقفُ لتسأل، من ينادي؟ ومن المَدعو؟ بل تطيرُ إلى الصوت وفي حِسِّها أنها المعنيَّة لا غيرها! وكأنَّه لم يسمع الصوتَ أحدٌ إلا هي، وكأنَّه ما على الأرض أحدٌ إلا هي!
روى البخاريُّ رحمهُ اللهُ عن أنس رضي الله عنه قال: "... فَـزِع أهلُ المدينة ذات ليلةٍ، فانطلق ناسٌ قِـبَـلَ الصوتِ، فـتلقاهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم "راجعاً وقـد سبقهم إلى الصوت"... وهو يقول: "لم تُراعوا، لم تُراعوا "الحديث" (البخاري / الجهاد / 82 وفي غيره، ورواه غيره).

بقلم/إبراهيم العسعس

كيف نقرأ..؟

في إحدى القرى ...
طرَق "ساعي البريد" الباب، خرج الأبُ، فسلَّمهُ الساعي رسالةً، وقال: إنَّها لابنتـك!
لم يكن الأب يعرفُ القراءة، وبدأ الفأرُ يلعب بِعبه ـ كما يقال في العامية ـ، مِن أين أتت الرسالة؟ وهل تكون البنت ...؟! وما مضمونها؟ خرج مسرعاً إلى الطريق لعلَّه يجد مَن يقرأ له الرسالة لتطمئنَّ نفسُه.
وجد مُعلمةَ المدرسة في الطريق، فقال هذا هو المطلوب، أتقرئين لي هذه الرسالة التي وصلت لابنتي؟ سأل الأبُ ... بالطبع، أجابت المعلمةُ، فضَّت الرسالةَ وبدأت بالقراءة ... قرأت له رسالةَ غزلٍ موجهةً لابنته من أحدهم! حَمل الأبُ الرسالةَ ومضى غاضباً، في الطريق لقي ابنَ صاحبِ البيت الذي يسكن فيه، فطلب منه أن يقرأ له الرسالة، يريد أن يتأكد!
فقرأ الشاب، فإذا هي رجاءٌ من صاحب البيت للبنت أن تُذكِّر أباها بضرورة دفعِ أُجرة البيت المُتراكمة عليه، عارضاً لها سوءَ الأحوال، وضيقَ ذات اليد! ما هذا أصبح عندنا قراءتان لرسالةٍ واحدة! صاحَ الأبُ، فما هي حقيقة الرسالة؟! لا بدُّ من ثالث ليُبيِّنَ لي ما في الرسالة.
فإذا بأحد الشباب الذي ينتظرُ فرصتَه للعمل أو السفر، أعطاهُ الرسالة بعد أن شرحَ له الحال، قرأ الشاب، فتحدَّث عن صعوبة العيش في القرية، وقِـلِّة فُرص العمل، وأنَّ من يُهاجر يجد فرصته في بلاد الخواجات ! شـدَّ الرجلُ شعرَ رأسه، وصرخ: ولكن، أين هي الحقيقة؟! فلم يسمع إلاَّ صدى صوته، مع ضحكات من حوله من قُـرَّاء الرسالة !! لقد رأى كلُّ منهم في الرسالة ما يُحبُّ أن يرى، وما في نفسه، لا ما هو موجود فيها فعلاً ! لقد انعكست آمـالُ كلٍّ منهم، ورغباته، وطبائعه على الرسالة فلم يعُـد يرى غيرها ! وهكذا ضاعت الحقيقة بين هذه الآمال والرغبات والطبائع .
الحقيقة الضائعة:
إنها قصة تقع، وإن لم يكن بحرفية هذه القصة، إذ إنَّ جانب الرمزية والمبالغة الدرامية واضح فيها! وهذا كلُّه غير مهم، فالذي يعنينا الفكرة العميقة والخطيرة التي أرادت القصة توصيلها . إنَّها تتحدث عن الحقيقة الضائعة عندما تتحول القراءة إلى حوار مع النفس، يقرأ من خلالها القارئ ما في نفسه لا ما هو مكتوب! وفي هذه الحالة تفقدُ القراءةُ قيمتَها وغايتها، فالكلمة هنا لا دلالة محددة لها، لأنَّه بمثـل هذه القراءة تصبح دلالة الكلمة لا نهاية لها، إذ يُمكن أن تكون دلالاتها بعدد ما على البسيطة من قُرَّاء!
ومع الأسف الشديد هذه القراءة هي قراءتنا! وليس فقط أننا لا نقرأ! بل عندما نقرأ، نقرأ قراءة خاطئة! مُسيَّـرة! قراءة أميَّة!!
قراءة أمِيَّة؟!:
وكأنها جملة ينقضُ آخرُها أولَها! فكيف تكون قراءةً، وأميَّةً في الوقت نفسه؟! إنها لكذلك عندما تكون القراءة مُجرد "فكِّ" الحرف دون فهم! وبلا ربط بين أول الكلام وآخره! وبين الكلمة في مكان وغيرها من الكلمات في مكان آخر! وبين قراءة الكلمة وقراءة الكون، أو قراءة الواقع! هذه القراءة سمَّاها القرآن الحكيم: أُميَّةً! وعدَّ الذين يقرؤونها: أُميُّون!: ومنهم أميُّون لا يعلمونَ الكتابَ إلاَّ أمانيَّ، وإنْ هم إلاَّ يظنُّون" (البقرة: 78). الأماني هي القراءة بلا وعي، ولذلك قال "لا يعلمون"، ولم يقل لا يقرؤون! فالقرآن يعدُّ الوقوف عند مستوى قراءة الحروف ضرباً من الأميَّة.
فكيف نقرأ؟
سأذكر ما نحن عليه، وما ينبغي أن نكون عليه في سياق واحد اختصاراً، وتحقيقاً للفائدة المرجوَّة في مقالة مضغوطة، فالقضية التي نتحدث عنها كثيرة الذيول، عميقة الأبعاد، تحتـاج لكتاب مُسترسِل !
- هل نقرأ باسم الله؟! لا تتسرع في الإجابة وتقول: بدأ الشيخ يُخلِّط! فكلنا نبدأ قراءتنا باسم الله! وأنا أقول، وهو كذلك، فنحن قبل أن نقرأ نبدأ باسم الله، وقد يأخذ منا الثناء على الله، والحمد له سبحانه صفحات، فهل هذا هو الذي طلبه الله تعالى في أول كلمة نزلت في آخر رسالة؟! "اقرأ باسم ربك الذي خلق".
إنَّ أبعاد القراءة باسم الله كَسَعَة هذا الكون، حسبنا منها الإشارة إلى ما نحن بصدده، أعني القراءة التي تُحقِّـق هدفها. إنَّها استحضار رقابة الله حذراً من الوقوع في الطغيان؛ الطغيانِ في الفهم، فحمل النفس على الفهم تكليف. الطغيان في الدخول على النَّص وقد قررنا ما نريدُه مما لا نريده قبل أن نقرأ حرفاً! إنها باسم الله التي تقينا هذه المصارع. وكما بينت لنا النصوص أنَّ القراءة بلا علم ضلال، بينت لنا أنَّ القراءة دون باسم الله طغيان.
- القراءة الذرية: وهذه القراءة تُفكِّكُ النص، بل وتُفكِّكُ الجملة، وأكاد أقول: بل وتـُفككُ الكلمة! إنَّها تغوص في الكلمة وتعزلها عما حولها، ثم تخرج منها لتدخل فيما بعدها دون أيِّ رابطٍ بينهما! إنَّها قراءة "تُقصقِصُ" النَّصَّ وتفهم ـ هذا إنْ فهمت ـ كلَّ جملة، أو كلَّ كلمة بعيداً عن سياقها، ولذلك فإنها تبني على كلِّ كلمة قراراً وقضية جديدة لا علاقة لها بقضية النص الواحدة، بمعنى أنها تمتصُّ ـ ولا أقول تفهم أو تستـنتج! لأنَّ صاحب هذه القراءة يتفاعل مع النص تفاعلاً غريزياً فلا يستطيع أن يفهم! ـ من كلِّ كلمة، أو جملة قضية منفصلة! إنَّ النص في هذه القراءة يتكون من مجموعة من الجزر المنعزلة عن بعضها!
يقابل هذه القراءة، القراءة الإحاطية الشمولية، التي تستعرض النصَّ كلَّه، لتفهم عليه ما يريد. وصاحبُ هذه القراءة يُدرك أنَّ أيَّ استبعاد لأيةِ كلمة ـ قصداً أو سهواً ـ سينتهي إلى نتائج لم يُردها النصُّ، وأنَّ الفرق بين وجود حرف وعدم وجوده تـترتب عليه قضية هائلة رهيبة، قد تكون كالفرق بين الكفر والإيمان، كما حصل في سورة (الكافرون)!
إنَّ سوء الفهم يعود إلى أنَّ القارئ يتناولُ النص، أو ينظر إليه من زاوية معينة لا إحاطة فيها، ولو سعى القارئ إلى امتلاك مهارة القراءة الشمولية، وتناولَ النَّصَّ من مُختلف الزوايا لَبنى فيما بينه وبين الكاتب جسراً متيناً من التواصل والتفاهم.
- القراءة العصافيرية!!: وأعني بها القراءة التي لا تَراكُم فيها. فصاحبُ هذه القراءة لا يبني شيئاً، يعيش مع النصِّ في لحظة زمنية مُجمَّـدة، وقد يستمتع بقراءته، وقد يبكي ويضحك، ثم بعد ذلك كأنَّه لم يقرأ شيئاً ! فذاكرته مخرومة، مُستباحة، لا تُمسك ماءً ولا تُنْبِتُ كلأً. قُدرته على الاستحضار معدومة، والأمر عنده أُنُف، دائماً يبدأ من جديد، فهو بالضبط كالعصفور الذي لا تاريخ له، يقع في نفس الفخِّ الذي وقع فيه قبل قليل! فكيف تـتوقع أن يبنيَ هذا النَّمطُ حواراً مع النص بقصد الوصول إلى الفائدة والتفاعل؟!
- يقابل هذه القراءة، القراءة التراكُميَّة، وهي قراءة تـبني على ما سبق، وتربط اللاحق بالسابق، لِـتكوِّنَ من بعـدُ مجموعةً من الأفكار والفوائد المتراكمة، بها يستطيع القارئ أنْ يَلِـجَ إلى النصِّ ليفهم عنه ويتـفاعل معه.
- القراءة الغرائزية: ولئن سألتَ صاحبَ هذه القراءة، لماذا تقرأ؟ لقال لك: أنا أقـرأ لأنـَّني أعرف القراءة! وأمتلك كُتباً! وعندي حاسوب! وأزيدك: أنا رابط "انترنت"!!! فلماذا لا أقرأ؟! فهل يستطيع هذا القارئ أن يفهم النص، ويتـفاعل معه؟! إنَّ القارئ الغرائزي ينظر إلى النصِّ ولا يُبصره!! نظر المغشيِّ عليه من الموت!! ويُفكك حروفه تلقائياً دون أنْ تدخل هذه القراءة إلى برنامجه الذهني، ومواقـفه من النَّصِّ ـ رفضاً أو موافقةً ـ مواقف غرائزية لا عقل فيها، فهي ردَّات أفعال، وسوانح خواطر، وليست مما يقتضيه العقل والفكر! فمن الذي يقابل القارئ الغرائزي؟! إنه القارئ الواعي المريد، الذي يستقبل النص استقبالاً مقصوداً، عقله معه، وذهنه حاضر. يعرف لماذا يقرأ، ويعرف ماذا يقرأ، ويعرف كيف يقرأ. القراءة بالنسبة له نورٌ يمشي به يضيء له الطريق، ويحس معها بالدهشة التي يشعر بها من يطلع على المعرفة.
- إشكالية التَّحيز: من أخطر ما يُعطِّل قيمة القراءة، ويُفقدها غايتها، أن يدخل القارئ على النص وهو مُتحيِّز إلى عاطفة، أو فكرة مسبقة! فإذا فعل ذلك تـشوَّش معيار التقويم، وضلَّ مقياس الموضوعية! ولا يخفى على المراقب أن قراءتنا ـ على الأغلب ـ متحيزة عاطفياً، وفكرياً، فنحن نحب أن نقرأ ما يدغدغ عواطفنا وإن خالف الحقيقة، ونأخذ موقفاً مسبقاً ممن نعرف أنه يخالفنا، أو يطرح ما يزعجنا!
وهذا يعني أن معيارنا في القراءة أهواؤنا، ورغباتنا، ومقرراتنا المسبقة، فمن وافقها فهو الذي لم تلد النساء مثله! ومن الأمثلة على ذلك، قضية السلبية والإيجابية، فما هو مقياس السلبية والإيجابية عندنا؟ إنه ما نحب وما لا نحب! فإن قرأنا ما نتبنى، ونحب فالكاتب إيجابي، وإلا فهو سلبي مُثبِّط! ومثل ذلك التـفاؤل والتشاؤم، مقياسهما لدينا مطاط جداً، حمَّال وجوه، والحكم في النهاية أهواؤنا ورغباتنا!
إنَّ القراءة المقابلة لهذه الآفة هي القراءة المحايدة، وأستدركُ لأقول قدر الإمكان! لأنني أدرك أن الحياد المطلق غير مقدور عليه، لكن نُسدِّد ونقارب إلى الدرجة التي تكون فيها القراءة أقربَ ما يكون إلى الحياد، وأبعدَ ما يكون عن المقررات السابقة. إنَّ القراءة المحايدة قراءة تحب الحقيقة ولو أزعجتها، وتقبل الحق ولو كان من أبغض الناس، بل ولو كان من أفسق الناس، كما كان يقول أحد الكبار :
إعمل بعلمي ولا يمنعك تقصيري ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
والقراءة المحايدة موضوعية، تحتكم إلى المعلومة التي تـنـقل الواقع كما هو، وتعرض الحقيقة كما ينبغي لا كما تحب .
- وأخـيـراً القراءة المتسرعة: وأعني بها القراءة التي تأخذ موقفاً بادي الرأي، تخطف الكلمة أو الجملة خطفاً، ثم تبني عليه قصراً من وجهات النظر المتعجلة. ومن قرأ هذه القراءة فحتماً سينـقطع التواصل والتفاهم بينه وبين الكاتب، وسيحمل كلَّ ما يقرأ حملاً لا إنصاف فيه، وسيُوظِّف كلَّ ما يعرفه من آليات التعامل مع النصوص ليدعم وجهة نظره المتسرعة، فيشرع باصطياد الثغرات ـ أو ما يظن أنها ثغرات!! ـ ليُرديَ الكاتب أرضاً، ويحمل المحتمل على الصريح، وينادي على رؤوس الأشهاد ملوِّحاً بالمحتمل: أنْ هذا هو كاتبكم العظيم فاحذروه! ويقابل هذه القراءة، القراءة المتأنية المُنصفة، التي لا تستعجل النتائج، وتعطي الكاتب الفرصة التي يستحقها للفهم عنه، وتحمل محتمله على صريحة، وتستخدم آليات فهم النص لخدمة الوصول إلى الحقيقة.
- وأخيراً، وتلخيصاً: إنَّ القراءة المطلوبة هي القراءة المبنية على الإخلاص والإنصاف والفهم والوعي والتدبر، القراءة التي تربط وتستنتج.
إن بداية النهضة هي قراءة صحيحة، ولا يمكن أن ينجح شعار الـتوحيد أولاً دون هذه القراءة. فلا عجب أن كانت هذه الكلمة أول كلمة في آخر رسالة. هذه الكلمة التي لا أجد في وصف عظمتها وخطورتها أبلغ مما قاله سيد رحمه الله فيها: "الكلمة التي أدهشت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثارت معه وعليه العالم". فلله درُّ سيد رحمة الله عليه. وكيف لا وهي التي وضعها القرآن بداية للذين حمَّلهم مسؤولية تغيير العالم، وقيادة البشرية، وقد سُئل فولتير مرةً عمَّن سيقود العالم، فأجاب: "الذين يعرفون كيف يقرؤون".
وها هي المطابع في العالم الإسلامي، تدفع في كل عام آلافاً من الكتب، وها هي الشواهد تدل على أن الذي يقود العالم هم الذين يحسنون القراءة، ونحن لا زلنا قابعين على حدود القراءة الأمية، العصافيرية، الخ.. القائمة القاتمة ! إننا نمتلك وسيلة الحضارة، ومنهج التقدم ؛ القرآن، ومع ذلك فإن حالة الوهن التي نعيشها تحرمنا من الإفادة من هذا الكتاب الحكيم.
إن حوارنا حوار طرشان، والتواصل فيما بيننا معدوم، ولقد يصدق علينا ما قاله حسن البنا رحمه الله: "إذا شرحت فكرتك لأحدهم عشرين مرة، ثم ظننت أنه قد فهمك فأنت متفائل"!
وأختم بهذا الحديث الرائع الذي يصف عجزنا عن القراءة المنتجة، وكيف أن القراءة المطلوبة ليست هي مجرد قراءة الأحرف، فقد روى زياد بن لبيد، فقال: " ذكرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلـم شيئاً، فقال: "وذاك عند ذهابِ العلم، قُلنا يا رسولَ الله : وكيف يذهبُ العلمُ؟ ونحنُ قرأنا القرآنَ ونُقرئه أبناءَنا، وأبناؤنا يُقرؤون أبناءهم، فقال: "ثَكِلتْكَ أمُّكَ يا ابنَ لبيد،إنْ كنتُ لأراكَ من أفـقهِ رجلٍ بالمدينة، أوَ ليس هذه اليهودُ والنصارى يقرءونَ التوراةَ والإنجيل، ولا ينتفعونَ ممَّا فيهما بشيءٍ؟!"، رواه ابن ماجة وابن حبان بسند صحيح.
بقلم/ إبراهيم العسعس